كنتُ واقفة على المحطة أنتظر الترام...
لا أعلم لماذا أُحب هذا الرصيف، شيء ما يربطني به و بالترام. ربما ذكريات الطفولة، فلطالما وقفت على هذا الرصيف، و لطالما انتظرت قدوم الترام، ولطالما كابدت لأركبه و لأجد موضعا لقدم وسط الزحام.
و الآن وقد مرت السنوات و أصبح لدي سيارة خاصة و أصبح بإمكاني استقلال سيارة أجرة، تجدني ما زلت أحن لهذا الرصيف، ما زلت أنتظر على نفس المحطة، نفس الترام...
هذا الرصيف طالما استضافني لأراجع دروسي قبل الذهاب إلى المدرسة، و لطالما احتضنني وصديقاتي أثناء تبادلنا الحديث والضحكات..هذا الرصيف كان وما زال واقفا مكانه ينتظر مع مرور الزمان...
كان وما زال ولكننا ما بقينا، لم نبقى كما كنا... لقد تغيرنا... تغيرت الوجوه.. تغيرت القلوب...هل أصابها الصدأ و الـتآكل الذي أصاب الترام؟ هل شاخت و تصدعت مثل تلك العربات المتهالكة التي بالكاد تشق طريقها على القضبان؟
لم أعد أرى البسمة على وجه الرائح و الغادي... لم أعد أرى الرحمة و العطف في أعين الكبار...لم أعد أرى براءة الأطفال... لم أعد أرى المحبة و الإخاء... لم أعد أرى الرضا والسعادة والحياء... لم أعد أرى... ولكني اليوم رأيت...
رأيت هذه الوردة الجميلة وسط القضبان.. هذه الوردة الحزينة مثل الرصيف تنتظر... هذه الوردة الوحيدة وسط الأوساخ والركام والأتربة...ولكنها كبرت ونمت وترعرعت... ثم ابتسمت لي اليوم معلنة: "ما زال هناك أمل"
رأيت اليوم ...
رأيت اليو م وردة حزينة تنتظر
وردة جميلة بين حطام منتثر
رأيت اليوم أملا في زمنٍ يحتضر
و أستعدت قوةً كادت تندثر